كتب زياد شبيب في جريدة النهار:
لا شك أن خطاب أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة (البرلمان)، تاريخيّ بالنسبة للشعب الكويتي ويمكن التأسيس عليه لإعادة تصحيح مسار المؤسسات في هذا البلد العزيز على قلوب اللبنانيين. النخب السياسية والحقوقية والإعلامية في الكويت كانت تتغنى بتجربتها المميزة في الحريات والعمل الديموقراطي وكانت تجهد لمقارنة تلك التجربة بالنموذج اللبناني الذي كان في ما مضى رغم علله الكثيرة مصدر إلهام في المنطقة برمتها.
خطاب الأمير شكّل مصدر إعجاب للبنانيين أيضًا وفي الوقت نفسه كان مبعثًا للحسرة هنا على ما آلت إليه أوضاع لبنان على صعيد تفكك المؤسسات الدستورية وشللها. ولا شكّ أن كثيرين هنا يتوقون إلى المرجعية الدستورية المفقودة التي تكون قادرة على كبح الانحرافات التي قد تجنح إليها المؤسسات في إطار صراعاتها السياسية واتفاقاتها التي حين تحصل، غالبًا ما تأتي على حساب المصلحة العامة وليس العكس.
في الكويت وبعد سنوات من الاضطراب السياسي والمؤسساتي وفي لحظة مصيرية تمرّ فيها المنطقة برمتها، شَهَر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الذي تسلّم الحُكم السبت الفائت خَلفاً لأخيه الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح، سَيْفَ سلطاته "السياديّة" التي خصّه بها الدستور فوضع بحدّ ذلك السيف حدًّا بين الجدّ واللعب، كما يقول أبو تمّام. وشنّ هجوماً على الحكومة ومجلس الأمة متهماً إياهما بالتواطؤ في الإضرار بمصالح البلاد، وقال في خطابه أمام البرلمان: "إن الحكومة والمجلس توافقا على الإضرار بمصالح الكويت، وما حصل في تعيينات المناصب القيادية دليل على عدم الإنصاف". وأشار إلى "ما حصل من تغيير للهوية الكويتية، وملف العفو وتداعياته، والتسابق لإقرار قانون رد الاعتبار، كأنها صفقة تبادل مصالح بينهما".
على مدى سنوات ماضية كان الخلاف والتعطيل يصيب المؤسسات الدستورية في الكويت بالشلل ويتم اللجوء إلى انتخابات جديدة وإلى تشكيل حكومات جديدة لا تعمّر وتسقط أمام البرلمان، وحين اتفقت السلطتان هناك جاء الاتفاق على حساب المصلحة العامة، وهذا ما قصد الأمير الجديد قوله.
أوليس هذا حال لبنان ومؤسساته؟ خلافات وتناقضات لا تنتهي واتفاقات غير معلنة على عدم الاتفاق وعلى إبقاء الفراغ في كل مكان من رأس الدولة إلى جميع مفاصلها الأساسية، حتى يحلّ أوان التسويات الخارجية فينطلق معها العمل على التسويات الداخلية وتقاسم النفوذ والمناصب وفق الموازين الجديدة للقوى.
بعد قطوع قيادة الجيش الذي يأمل اللبنانيون أن يكون قد مرّ فعلًا ونهائيًا، سيأتي دور القضاء وقد بدأت تتكاثر الاقتراحات الرامية إلى حل مشكلة شغور منصب المدعي العام لدى محكمة التمييز، ومعظمها يدور حول كيفية تكليف من يحل محل المدعي العام غسان عويدات حين إحالته القريبة على التقاعد، ولكن تلك الاقتراحات لا تركّز على ملء الشغور قبل وقوعه بالتعيين بالأصالة وهو الأصل والقاعدة التي يجب أن لا يُحاد عنها لو كانت المؤسسات الدستورية والقوى السياسية غير متواطئة على الإضرار بمصلحة البلاد.
النظام السياسي في لبنان، وبفعل طبيعة وتكوين القوى السياسية الحاكمة وليس بسبب النصوص الدستورية، يفتقد إلى القدرة على الحسم ويفتح المجال دائمًا إلى إمكانية التعطيل المتبادل بعد أن تكدّست التشوهات المؤسساتية التعطيلية التي استخدمت فكرة التوافق والميثاقية المغلوطة كوسائل لممارسة الفيتو، إلى أن طال الشلل كل شيء.
يتوق اللبنانيون اليوم إلى نظام للحكم قادر على الحسم داخل المؤسسات. وتطوير النظام الجمهوري البرلماني يكون عبر قوى سياسية من نوع جديد نقيض للقوى الحاكمة، على قدر آمال اللبنانيين وليس على قياس خصومات الحاكمين ومصالحهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك